فصل: تفسير الآيات (31- 33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (28- 30):

{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}
الفاحشة: ما تبالغ في فحشه وقبحه من الذنوب. قال أكثر المفسرين: هي طواف المشركين بالبيت عراة. وقيل هي الشرك، والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعاً، والمعنى: أنهم إذا فعلوا ذنباً قبيحاً متبالغاً في القبح، اعتذروا عن ذلك بعذرين: الأوّل: أنهم فعلوا ذلك اقتداء بآبائهم لما وجدوهم مستمرين على فعل تلك الفاحشة، والثاني: أنهم مأمورون بذلك من جهة الله سبحانه. وكلا العذرين في غاية البطلان والفساد، لأن وجود آبائهم على القبح لا يسوّغ لهم فعله، والأمر من الله سبحانه لهم لم يكن بالفحشاء، بل أمرهم باتباع الأنبياء والعمل بالكتب المنزلة ونهاهم عن مخالفتهما، ومما نهاهم عنه فعل الفواحش، ولهذا ردّ الله سبحانه عليهم بأن أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: {إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشاء} فكيف تدّعون ذلك عليه سبحانه، ثم أنكر عليهم ما أضافوه إليه، فقال: {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وهو من تمام ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم، وفيه من التقريع والتوبيخ أمر عظيم، فإن القول بالجهل إذا كان قبيحاً في كل شيء، فكيف إذا كان في التقوّل على الله؟
وإن في هذه الآية الشريفة لأعظم زاجر، وأبلغ واعظ، للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق، فإنهم القائلون: {إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] والقائلون {وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءابَاءنَا والله أَمَرَنَا بِهَا} والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب، مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به، وأنه الحق لم يبق عليه، وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية، والنصراني على النصرانية، والمبتدع على بدعته، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية، والنصرانية، أو البدعية، وأحسنوا الظنّ بهم، بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به، ولم ينظروا لأنفسهم، ولا طلبوا الحق كما يجب، وبحثوا عن دين الله كما ينبغي، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص، فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية أنا لك النذير المبالغ في التحذير، من أن تقول هذه المقالة وتستمر على الضلالة، فقد اختلط الشرّ بالخير، والصحيح بالسقيم، وفاسد الرأي بصحيح الرواية، ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبياً واحداً أمرهم باتباعه ونهى عن مخالفته فقال: {وَمَا آتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7] ولو كان محض رأى أئمة المذاهب وأتباعهم حجة على العباد، لكان لهذه الأمة رسل كثيرون متعدّدون بعدد أهل الرأي المكلفين للناس بما لم يكلفهم الله به.
وإن من أعجب الغفلة، وأعظم الذهول عن الحق، اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب الله، ووجود سنة رسوله، ووجود من يأخذونهما عنه، ووجود آلة الفهم لديهم، وملكة العقل عندهم.
قوله: {قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} القسط: العدل، وفيه أن الله سبحانه يأمر بالعدل، لا كما زعموه من أن الله أمرهم بالفحشاء. وقيل القسط هنا هو: لا إله إلا الله، وفي الكلام حذف، أي قل أمر ربي بالقسط فأطيعوه. قوله: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} معطوف على المحذوف المقدّر، أي توجهوا إليه في صلاتكم إلى القبلة في أي مسجد كنتم، أو في كل وقت سجود، أو في كل مكان سجود، على أن المراد بالسجود: الصلاة {وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي ادعوه أو اعبدوه حال كونكم مخلصين الدعاء، أو العبادة له. وقيل: وحدوه ولا تشركوا به. قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} الكاف: نعت مصدر محذوف.
وقال الزجاج: هو متعلق بما قبله. والمعنى: كما أنشأكم في ابتداء الخلق يعيدكم، فيكون المقصود الاحتجاج على منكري البعث، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. وقيل: كما أخرجكم من بطون أمهاتكم تعودون إليه كذلك ليس معكم شيء، فيكون مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94]. وقيل: كما بدأكم من تراب تعودون إلى التراب {فَرِيقًا هدى} منتصب بفعل يفسره ما بعده. وقيل: منتصب على الحال من المضمر في تعودون، أي تعودون فريقين: سعداء وأشقياء، ويقويه قراءة أبيّ: {فريقين فريقا هدى} والفريق الذي هداه الله هم: المؤمنون بالله المتبعون لأنبيائه، والفريق الذي حقت عليه الضلالة: هم الكفار.
قوله: {إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله} تعليل لقوله: {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} أي ذلك بسبب أنهم أطاعوا الشياطين في معصية الله، ومع هذا فإنهم {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُّهْتَدُونَ} ولم يعترفوا على أنفسهم بالضلالة، وهذا أشدّ في تمرّدهم وعنادهم.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {إِذَا فَعَلُواْ فاحشة} قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فنهوا عن ذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة في الآية قال: والله ما أكرم الله عبداً قط على معصيته، ولا رضيها له ولا أمر بها، ولكن رضي لكم بطاعته، ونهاكم عن معصيته، وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد، في قوله: {أَمَرَ رَبّي بالقسط} قال: بالعدل {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} قال: إلى الكعبة حيثت صليتم في كنيسة أو غيرها {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} قال: شقي وسعيد.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} الآية قال: إن الله بدأ خلق بني آدم مؤمناً وكافراً كما قال: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِن} [التغابن: 2] ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمناً وكافراً.
وأخرج ابن جرير، عن جابر في الآية قال: يبعثون على ما كانوا عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عنه أنه ذكر القدرية فقال: قاتلهم الله، أليس قد قال الله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه، أيضاً في الآية: يقول كما خلقناكم أوّل مرّة كذلك تعودون.

.تفسير الآيات (31- 33):

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
هذا خطاب لجميع بني آدم، وإن كان وارداً على سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والزينة ما يتزين به الناس من الملبوس، أمروا بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف.
وقد استدلّ بالآية على وجوب ستر العورة في الصلاة، وإليه ذهب جمهور أهل العلم، بل سترها واجب في كل حال من الأحوال، وإن كان الرجل خالياً كما دلّت عليه الأحاديث الصحيحة، والكلام على العورة وما يجب ستره منها مفصل في كتب الفروع. قوله: {كُلُواْ واشربوا * وَلاَ تُسْرِفُواْ} أمر الله سبحانه عباده بالأكل والشرب، ونهاهم عن الإسراف، فلا زهد في ترك مطعم ولا مشرب، وتاركه بالمرّة قاتل لنفسه، وهو من أهل النار، كما صح في الأحاديث الصحيحة، والمقلل منه على وجه يضعف به بدنه ويعجز عن القيام بما يجب عليه القيام به من طاعة أو سعي على نفسه، وعلى من يعول مخالفاً لما أمر الله به وأرشد إليه، والمسرف في إنفاقه على وجه لا يفعله إلا أهل السفه، والتبذير مخالف لما شرعه الله لعباده واقع في النهي القرآني؛ وهكذا من حرّم حلالاً أو حلل حراماً، فإنه يدخل في المسرفين ويخرج عن المقتصدين. ومن الإسراف الأكل لا لحاجة، وفي وقت شبع. قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} الزينة: ما يتزين به الإنسان، من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة، كالمعادن التي لم يرد نهي عن التزين بها، والجواهر ونحوها؛ وقيل الملبوس خاصة، ولا وجه له، بل هو من جملة ما تشمله الآية، فلا حرج على من لبس الثياب الجيدة الغالية القيمة إذا لم يكن مما حرّمه الله، ولا حرج على من تزين بشيء من الأشياء التي لها مدخل في الزينة، ولم يمنع منها مانع شرعي، ومن زعم أن ذلك يخالف الزهد فقد غلط غلطاً بيناً.
وقد قدّمنا في هذا ما يكفي، وهكذا الطيبات من المطاعم والمشارب ونحوهما، مما يأكله الناس، فإنه لا زهد في ترك الطيب منها، ولهذا جاءت الآية هذه معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرّم ذلك على نفسه، أو حرّمه على غيره. وما أحسن ما قال ابن جرير الطبري: ولقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان، مع وجود السبيل إليه من حله، ومن أكل البقول والعدس، واختاره على خبز البرّ، ومن ترك أكل اللحم خوفاً من عارض الشهوة.
وقد قدّمنا نقل مثل هذا عنه مطوّلاً. والطيبات المستلذات من الطعام؛ وقيل هو اسم عام لما طاب كسباً ومطعماً. قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ} أي: أنها لهم بالأصالة، وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة {خَالِصَةً يَوْمَ القيامة} أي: مختصة بهم يوم القيامة، لا يشاركهم فيها الكفار.
وقرأ نافع {خالصة} بالرفع، وهي قراءة ابن عباس، على أنها خبر بعد خبر. وقرأ الباقون بالنصب على الحال. قال أبو علي الفارسي: ولا يجوز الوقف على الدنيا؛ لأن ما بعدها متعلق بقوله: {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} حال منه بتقدير: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة، قوله: {كَذَلِكَ نُفَصِلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي: مثل هذا التفصيل نفصل الآيات المشتملة على التحليل والتحريم. قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش} جمع فاحشة.
وقد تقدّم تفسيرها {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} أي: ما أعلن منها وما أسرّ، وقيل: هي خاصة بفواحش الزنا، ولا وجه لذلك؛ والإثم يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم؛ وقيل: هو الخمر خاصة؛ ومنه قول الشاعر:
شربت الإثم حتى ضلّ عقلي ** كذاك الإثم تذهب بالعقول

ومثله قول الآخر:
يشرب الإثم بالصواع جهارا

وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصاً بالخمر. قال النحاس: فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك، وحقيقته أنه جميع المعاصي، كما قال الشاعر:
إني وجدت الأمر أرشده ** تقوى الإله وشرّه الإثم

قال الفراء: الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس انتهى. وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به، فهو أحد المعاصي التي يصدق عليها. قال في الصحاح: وقد يسمى الخمر إثماً، وأنشد:
شربت الإثم

البيت، وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته. قوله: {والبغى بِغَيْرِ الحق} أي: الظلم المجاوز للحد، وأفرده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنباً عظيماً كقوله: {وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغى} [النحل: 90] {وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} أي: وأن تجعلوا لله شريكاً لم ينزل عليكم به حجة. والمراد التهكم بالمشركين، لأن الله لا ينزل برهاناً بأن يكون غيره شريكاً له: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} بحقيقته وأن الله قاله، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها.
وقد أخرج ابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي، وغيرهم، عن ابن عباس، أن النساء كنّ يطفن عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله ** وما بدا منه فلا أحله

فنزلت: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عنه، في الآية قال: كان الرجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة. والزينة: اللباس وما يواري السوءة، وما سوى ذلك من جيد البرّ والمتاع.
وأخرج ابن عدي، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا زينة الصلاة، قالوا: وما زينة الصلاة؟ قال: البسوا نعالكم فصلوا فيها».
وأخرج العقيلي، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قول الله: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} قال: صلوا في نعالكم. والأحاديث في مشروعية الصلاة في النعل كثيرة جداً، وأما كون ذلك هو تفسير الآية كما روي في هذين الحديثين فلا أدري كيف إسنادهما.
وقد ورد النهي عن أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، وهو في الصحيحين وغيرهما، من حديث أبي هريرة.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب، عن ابن عباس، قال: أحلّ الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه، في قوله: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} قال: في الطعام والشراب.
وأخرج عبد بن حميد، والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف، فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده».
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس، قال: كانت قريش تطوف بالبيت، وهم عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل الله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله} فأمروا بالثياب أن يلبسوها. {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ} قال: ينتفعون بها في الدنيا لا يتبعهم فيها مأثم يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد، وأبو الشيخ، عن الضحاك {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ} قال: المشركون يشاركون المؤمنين في زهرة الدنيا، وهي خالصة يوم القيامة للمؤمنين دون المشركين.
وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس {والطيبات مِنَ الرزق} قال: الودك، واللحم، والسمن.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه، قال: كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ الله لَكُمْ مّن رّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً} [يونس: 59] وهذا هذا، فأنزل الله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ الرزق قُلْ هي لِلَّذِينَ ءامَنُواْ في الحياة الدنيا} يعني: شارك المسلمون الكفار في الطيبات في الحياة الدنيا، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من جياد ثيابها ونكحوا من صالحي نسائها، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شيء.
وأخرج أبو الشيخ، عن ابن عباس، قال: ما ظهر منها العرية، وما بطن الزنا، وكانوا يطوفون بالبيت عراة.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد، في الآية قال: ما ظهر منها طواف الجاهلية عراة، وما بطن الزنا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {والإثم} قال المعصية {والبغى} قال: أن يبغي على الناس بغير حق.